((((( مَـهَـانَـةُ نَـفْـس ! )))))
صفحة 1 من اصل 1
((((( مَـهَـانَـةُ نَـفْـس ! )))))
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مَـهَـانَـةُ نَـفْـس !
حينما تَسْمُو الـنَّفْس البشرية فإنها تَرتَقِي مَطالِع الجوزاء !
ويَتْعب الجِسْم في تحقيق غاياتها ومطالِبها ..
وإذا كانت النفوس كبارا = تعبت في مرادها الأجسام
وتَسْتَلِذّ نَفْس الْحُرّ الْمُرَّ في سبيل التطلّع إلى العلياء
ومَن تَكُن العلياء هِمّة نَفْسِه = فَكُلّ الذي يَلقاه فيها مُحَـبَّبُ
وحِين تعلو هِمّة الـنَّفْس يَزداد قَد****ها .. ويَرتفِع ثمنها !
وفيهن نَفْسٌ لو يُقاس بمثلها = نفوس الوَرَى كانت أجَلّ وأخطرا
وما ضَرّ نَصْل السّيف إخلاق غِمده = إذا كان عَضْبا حيث أنفذته بَرى
فإن تكن الأيام أزْرَتْ بِبَزّتِي = فَكَم مِن حُسام في غِلافٍ مُكَسّرا
أما حين تَهُون الـنَّفْس على صاحِبها .. فإنه يَهون هو في أعْين الناس
مَن يَهُن يَسْهُل الهوان عليه = ما لِجُرْح بِمَيّتٍ إيـلامُ
فإن الناس تَضَع الإنسان حيث يَضَع نَفْسَه
أرى الناس مَن دَاناهم هَان عندهم = ومَن أكْرَمَتْه عِزّة الـنَّفْسِ أُكْرِمَا
ومَتى هانَتِ الـنَّفْس عند صاحِبها دَسّاها وحقّرها بِكل خُلُق مرذول !
وصَغّرها بما يَشِينها
وتَخَلّق بِكل خُلُق دنيء
ولا يَرْضى بِالدُّون إلا دنيء !
فلو كانت النفس شَريفة كبيرة لم تَرْضَ بالدُّون ، فأصْلُ الخير كلّه
بتوفيق الله ومشيئته ، وشَرَف الـنَّفْس ونُبْلها وكبرها . وأصْل الشّر
خستها ودناءتها وصغرها . قال تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9)
وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) ، أي : أفْلَح مَن كَبّرها وكَثّرها
ونَمّاها بِطَاعَةِ الله ، وخَابَ مَن صَغّرها وحَقّرها بِمَعَاصِي الله ،
فالـنُّفُوس الشريفة لا تَرْضَى من الأشياء إلا بأعلاها وأفضلها وأحْمَدها
عاقبة ، والـنُّفُوس الدنيئة تَحُوم حَول الدَّنَاءات وتَقَع عليها ، كما
يَقَع الذُّبَاب على الأقْذَار ، فالـنَّفْس الشَّرِيفة الْعَلِيّة لا
تَرْضَى بالظُّلْم ولا بالفواحش ولا بالسرقة والخيانة ، لأنها أكبر من ذلك
وأجَلّ ، والنّفْس الْمَهِينة الْحَقِيرة والْخَسِيسة بالضِّدّ مِن ذلك ؛
فَكُلّ نَفْسٍ تَمِيل إلى ما يُناسبها ويُشاكلها . اهـ .
ومِن عُقُوبَاتها : أنها تُصَغّر الـنَّفْس وتَقْمَعَها وتُدَسّيها
وتُحَقّرها حتى تصير أصْغَر كل شيء وأحْقَره ، كما أن الطاعة تُنَمِّها
وتُزَكّيها وتُكَبّرها . قال تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9)
وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) ، والمعنى : قد أفْلَح مَن كَبّرها وأعلاها
بِطاعة الله وأظْهَرها ، وقَد خَسِرَ مَن أخْفَاها وحَقّرها وصَغّرَها
بِمَعْصِية الله ... فالطاعة والْبِرّ تُكَبّر الـنَّفْس وتُعِزّها
وتُعْلِيها حتى تصير أشرف شيء وأكْبَره وأزْكَاه وأعْلاه ، ومع ذلك فهي
أذلّ شيء وأحْقَره وأصْغَره لله تعالى ، وبِهَذا الذّل حَصَلَ لها هذا
العِزّ والشَّرَف والـنّمُو ؛ فما صَغّر النفس مثل مَعْصِية الله ، ومَا
كَبّرها وشَرّفها ورَفعها مثل طاعة الله . اهـ .
وإن مما تَهُون بِه الـنَّفْس أن يَعتَاد الإنسان خُلُقا مِن أخلاق المنافِقين ..
بل قد يَسْتَسِيغ ما غَصّ به عُـبّاد الأوثان !
أو يَسْتَحْسِن ما اسْتَقْبَحه أهل الجاهلية الأولى !
وكَفَى بِذَنْبٍ قُـبْحًا أن يَتَبرّأ مِنه أهل الجاهلية ! فيَخْشَى أحدهم أن يُعيَّرَ بِه !
وحَسْبُك مِن خُلُق رَذَالَة أن يَعِيبَـه من كان يَعبد الأصنام والأوثان !
ذلكم هو " الْكَذِب " الذي عُيِّر بِه " مُسَيلِمة " فاقْتَرَن اسمه بِوصْفِ الْكَذِب ! فلا يُذكَر إلا ويُعَرّف بـ " الكَذّاب " !
والكَذِب خُلُق من أخلاق المنافِقين ، ففي خِصال الـنِّفاق : " إذا حَدّث كَذَب " كما في الصحيحين .
قال منصور الفقيه :
الصِّـدق أوْلَى مَا بِهِ = دَانَ امرؤ فاجْعَلْه دِينا
وَدَعِ النّفاق فما رَأيْـ = ـتُ مُنافِقًا إلاَّ مَهينا
وإنما يَكذِب الكَذّاب مِن دناءة نَفْسِه ..
قال محمد بن كعب القرظي : لا يَكْذِب الكَاذِب إلا مِن مَهَانَة نَفْسِه عليه .
والكّذِب أبْغض خُلُق إلى صاحِب الْخُلُق العظيم صلى الله عليه وسلم .
ما كان خُلُق أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن الكذب ، فإن كان
الرجل يَكذب عنده الكذبة فما يَزال في نفسه عليه حتى يَعلم أنه قد أحدث
منها توبة . رواه عبد الرزاق ومِن طريقه الترمذي وابن حبان .
والمؤمن يُطْبَع على الخلال كلها إلاَّ الخيانة والكذب . كما قال أبو أمامة رضي الله عنه .
لا تَنْظُروا إلى صلاة أحَدٍ ولا إلى صيامه ، ولكن انْظُرُوا إلى مَن إذا حَدّث صَدق ، وإذا ائتمن أدَى ، وإذا أشْفَى وَرِع .
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول في خطبته : ليس فيما دون الصدق من الحديث خير ، مَن يَكذب يَفْجُر ، ومَن يَفْجُر يَهلك .
وإذا كان الكذب بِضاعة شيطانية .. فإن الصِّدْق مَنْجَاة ، وهو بِضاعة أهل الإيمان ..
قال كعب بن مالك رضي الله عنه وهو يُحدِّث بِخبر توبة الله عليه : فو الله
ما علمت أن أحدًا من المسلمين أبْلاه الله في صِدق الحديث منذ ذَكَرْتُ
ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا أحسن مما أبلاني الله به
، والله ما تعمدت كِذبة منذ قلتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
يومي هذا ، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي . رواه البخاري ومسلم .
وخُلِّد في ذِكْر ربعي بن حراش أنه ما كَذَب كذبة !
وروى أبو بردة بن عبد الله بن أبي بردة قال : كان يُقال : إن ربعي بن حراش
رضي الله عنه لم يكذب كذبا قط ، فأقبل ابناه من خراسان قد تأجّلا ، فجاء
العَريف إلى الحجاج فقال : أيها الأمير إن الناس يَزعمون أن ربعي بن حراش
لم يكذب قط ، وقد قدم ابناه من خراسان وهما عاصيان ! فقال الحجاج : عَليّ
به ، فلما جاء قال : أيها الشيخ . قال : ما تشاء ؟ قال : ما فَعل ابناك ؟
قال : المستعان الله خَلّفتُهما في البيت . قال : لا جَرَم ! والله لا
أسوؤك فيهما ، هما لك .
وأصى الخلفاء مُعلّمي أبنائهم بتعليمهم الصِّدْق .
أمَرَني عبد الملك بن مروان أنْ أُعَلِّم بَنِيه الصِّدق كما أُعَلّمُهم القرآن .
خَصلتان إذا كانتا في عبدٍ كان سائر عمله تَبَعًا لهما : حُسْن الصلاة ، وصِدْق الحديث .
لم يَتَزَيّن الناس بشيء أفضل مِن الصدق وطَلَب الحلال .
إبْرَار الدنيا : الكَذِب وقِلّة الحياء ؛ فَمَنْ طَلَب الدّنيا بِغيرهما فقد أخطأ الطريق والْمَطْلَب .
وإبْرَار الآخرة : الحياء ، والصِّدق ؛ فمن طلب الآخرة بغيرهما فقد أخطأ الطريق والْمَطْلَب . اهـ .
يُرْزَق العبد بالصِّدْق ثلاث خِصال : الْحَلاوة والْمَلاحَة والْمَهَابة
قال : صِدْق الحديث ، وأداء الأمانة ، وتَرْك ما لا يَعْنِيني .
وإن أعظَم الكذب ما بَلَغ الآفاق ..
وفي رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم : الرجل الذي أتيت عليه يُشْرَشْر
شِدْقه إلى قَفَاه ، ومنخره إلى قفاه ، وعينه إلى قفاه ؛ فإنه الرجل يَغدو
من بيته فيكذب الكِذبة تَبلغ الآفاق . رواه البخاري .
أوْ ما أدّى إلى الطعن في الأعراض ..
وكل كَذِب تَعدّى ضَرَرُه ..
كل شيء يُسْتَعَار لِيُتَجَمّل به سَهْل وُجُوده ، خَلا اللسان ، فإنه لا
يُنْبِئ إلاّ عَمّا عُوِّد ، والصِّدق يُنْجِى ، والكَذب يُرْدِي ، ومَن
غَلب لِسانه أمّرَه قومُه ، ومن أكثر الكذب لم يترك لنفسه شيئا يُصَدّق به
، ولا يكذب إلا مَن هَانت عليه نَفسه .
كَذَبْتَ ومَن يَكْذِب فإن جزاءه = إذا ما أتى بالصدق أن لا يُصَدّقا
إذا عُرف الكذاب بالكذب لم يزل = لدى الناس كذابا وإن كان صادقا
وقال ابن حبان :
أنشدني الأبرش:
الكِذْبُ مُرديك ، وإن لم تخف = والصِّدْقُ منجيك على كل حال
فانطق بما شئت تجد غِبَّه = لم تُبْتَخَسْ وَزنة مثقال
لو لم يكن للكذب من الشَّين إلاَّ إنزاله صاحبه بحيث أن صَدَق لم يُصدّق ،
لكان الواجب على الْخَلْق كافَّة لزوم التثبت بالصدق الدائم ، وإن من آفة
الكذب أن يكون صاحبه نسيا ، فإذا كان كذلك كان كالمنادي على نفسه
بالْخِزْي في كل لحظة وطرفة .
قال : وأنشدني محمد بن عبد الله البغدادي :
إذا ما المرء أخطأه ثلاث = فَبِعْه ولو بِكَفّ مِن رَماد
سلامة صدره والصدق منه = وكتمان السرائر في الفؤاد
وأصدق من هذا وأبلغ قول من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم :
عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ ،
وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ
يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ
صِدِّيقًا ، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى
الْفُجُورِ ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ ، وَمَا يَزَالُ
الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ
اللَّهِ كَذَّابًا . رواه البخاري ومسلم .
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مَـهَـانَـةُ نَـفْـس !
حينما تَسْمُو الـنَّفْس البشرية فإنها تَرتَقِي مَطالِع الجوزاء !
ويَتْعب الجِسْم في تحقيق غاياتها ومطالِبها ..
وإذا كانت النفوس كبارا = تعبت في مرادها الأجسام
وتَسْتَلِذّ نَفْس الْحُرّ الْمُرَّ في سبيل التطلّع إلى العلياء
ومَن تَكُن العلياء هِمّة نَفْسِه = فَكُلّ الذي يَلقاه فيها مُحَـبَّبُ
وحِين تعلو هِمّة الـنَّفْس يَزداد قَد****ها .. ويَرتفِع ثمنها !
يقول الإمام الشافعي :
علَيَّ ثياب لو يُباع جميعها = بِفَلْسٍ لكان الفَلْس منهن أكثرا وفيهن نَفْسٌ لو يُقاس بمثلها = نفوس الوَرَى كانت أجَلّ وأخطرا
وما ضَرّ نَصْل السّيف إخلاق غِمده = إذا كان عَضْبا حيث أنفذته بَرى
فإن تكن الأيام أزْرَتْ بِبَزّتِي = فَكَم مِن حُسام في غِلافٍ مُكَسّرا
أما حين تَهُون الـنَّفْس على صاحِبها .. فإنه يَهون هو في أعْين الناس
مَن يَهُن يَسْهُل الهوان عليه = ما لِجُرْح بِمَيّتٍ إيـلامُ
فإن الناس تَضَع الإنسان حيث يَضَع نَفْسَه
كما قال الجرجاني :
أرى الناس مَن دَاناهم هَان عندهم = ومَن أكْرَمَتْه عِزّة الـنَّفْسِ أُكْرِمَا
ومَتى هانَتِ الـنَّفْس عند صاحِبها دَسّاها وحقّرها بِكل خُلُق مرذول !
وصَغّرها بما يَشِينها
وتَخَلّق بِكل خُلُق دنيء
ولا يَرْضى بِالدُّون إلا دنيء !
قال ابن القيم :
فلو كانت النفس شَريفة كبيرة لم تَرْضَ بالدُّون ، فأصْلُ الخير كلّه
بتوفيق الله ومشيئته ، وشَرَف الـنَّفْس ونُبْلها وكبرها . وأصْل الشّر
خستها ودناءتها وصغرها . قال تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9)
وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) ، أي : أفْلَح مَن كَبّرها وكَثّرها
ونَمّاها بِطَاعَةِ الله ، وخَابَ مَن صَغّرها وحَقّرها بِمَعَاصِي الله ،
فالـنُّفُوس الشريفة لا تَرْضَى من الأشياء إلا بأعلاها وأفضلها وأحْمَدها
عاقبة ، والـنُّفُوس الدنيئة تَحُوم حَول الدَّنَاءات وتَقَع عليها ، كما
يَقَع الذُّبَاب على الأقْذَار ، فالـنَّفْس الشَّرِيفة الْعَلِيّة لا
تَرْضَى بالظُّلْم ولا بالفواحش ولا بالسرقة والخيانة ، لأنها أكبر من ذلك
وأجَلّ ، والنّفْس الْمَهِينة الْحَقِيرة والْخَسِيسة بالضِّدّ مِن ذلك ؛
فَكُلّ نَفْسٍ تَمِيل إلى ما يُناسبها ويُشاكلها . اهـ .
وقال في ذِكْر عقوبات الذّنُوب :
ومِن عُقُوبَاتها : أنها تُصَغّر الـنَّفْس وتَقْمَعَها وتُدَسّيها
وتُحَقّرها حتى تصير أصْغَر كل شيء وأحْقَره ، كما أن الطاعة تُنَمِّها
وتُزَكّيها وتُكَبّرها . قال تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9)
وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) ، والمعنى : قد أفْلَح مَن كَبّرها وأعلاها
بِطاعة الله وأظْهَرها ، وقَد خَسِرَ مَن أخْفَاها وحَقّرها وصَغّرَها
بِمَعْصِية الله ... فالطاعة والْبِرّ تُكَبّر الـنَّفْس وتُعِزّها
وتُعْلِيها حتى تصير أشرف شيء وأكْبَره وأزْكَاه وأعْلاه ، ومع ذلك فهي
أذلّ شيء وأحْقَره وأصْغَره لله تعالى ، وبِهَذا الذّل حَصَلَ لها هذا
العِزّ والشَّرَف والـنّمُو ؛ فما صَغّر النفس مثل مَعْصِية الله ، ومَا
كَبّرها وشَرّفها ورَفعها مثل طاعة الله . اهـ .
وإن مما تَهُون بِه الـنَّفْس أن يَعتَاد الإنسان خُلُقا مِن أخلاق المنافِقين ..
بل قد يَسْتَسِيغ ما غَصّ به عُـبّاد الأوثان !
أو يَسْتَحْسِن ما اسْتَقْبَحه أهل الجاهلية الأولى !
وكَفَى بِذَنْبٍ قُـبْحًا أن يَتَبرّأ مِنه أهل الجاهلية ! فيَخْشَى أحدهم أن يُعيَّرَ بِه !
وحَسْبُك مِن خُلُق رَذَالَة أن يَعِيبَـه من كان يَعبد الأصنام والأوثان !
ذلكم هو " الْكَذِب " الذي عُيِّر بِه " مُسَيلِمة " فاقْتَرَن اسمه بِوصْفِ الْكَذِب ! فلا يُذكَر إلا ويُعَرّف بـ " الكَذّاب " !
والكَذِب خُلُق من أخلاق المنافِقين ، ففي خِصال الـنِّفاق : " إذا حَدّث كَذَب " كما في الصحيحين .
قال منصور الفقيه :
الصِّـدق أوْلَى مَا بِهِ = دَانَ امرؤ فاجْعَلْه دِينا
وَدَعِ النّفاق فما رَأيْـ = ـتُ مُنافِقًا إلاَّ مَهينا
وإنما يَكذِب الكَذّاب مِن دناءة نَفْسِه ..
قال محمد بن كعب القرظي : لا يَكْذِب الكَاذِب إلا مِن مَهَانَة نَفْسِه عليه .
والكّذِب أبْغض خُلُق إلى صاحِب الْخُلُق العظيم صلى الله عليه وسلم .
قالت عائشة رضي الله عنها :
ما كان خُلُق أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن الكذب ، فإن كان
الرجل يَكذب عنده الكذبة فما يَزال في نفسه عليه حتى يَعلم أنه قد أحدث
منها توبة . رواه عبد الرزاق ومِن طريقه الترمذي وابن حبان .
والمؤمن يُطْبَع على الخلال كلها إلاَّ الخيانة والكذب . كما قال أبو أمامة رضي الله عنه .
وأخرج البيهقي في الشُّعَب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال :
لا تَجِد المؤمن كَذّابا وقال عمر أيضا :
لا تَنْظُروا إلى صلاة أحَدٍ ولا إلى صيامه ، ولكن انْظُرُوا إلى مَن إذا حَدّث صَدق ، وإذا ائتمن أدَى ، وإذا أشْفَى وَرِع .
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول في خطبته : ليس فيما دون الصدق من الحديث خير ، مَن يَكذب يَفْجُر ، ومَن يَفْجُر يَهلك .
وقال أنس رضي الله عنه : إن الرجل ليُحْرَم قيام الليل وصيام النهار بالكِذبة يَكذبها .
وقال محمد بن سيرين : الكلام أوسع من أن يَكذب ظَريف .
وقال الغازي بن قيس : ما كَذَبْتُ منذ احْتَلَمْتُ .
وقال : والله ما كَذَبْتُ كِذبة قَطّ منذ اغتسلت ، ولولا أن عمر بن عبد العزيز قَالَه ما قُلْتُه
وقال محمد بن سيرين : الكلام أوسع من أن يَكذب ظَريف .
وقال عمر بن عبد العزيز :
ما كَذَبْتُ منذ عَلِمْتُ أن الكَذِب يَضُرّ أهله .وقال الغازي بن قيس : ما كَذَبْتُ منذ احْتَلَمْتُ .
وقال : والله ما كَذَبْتُ كِذبة قَطّ منذ اغتسلت ، ولولا أن عمر بن عبد العزيز قَالَه ما قُلْتُه
وإذا كان الكذب بِضاعة شيطانية .. فإن الصِّدْق مَنْجَاة ، وهو بِضاعة أهل الإيمان ..
قال كعب بن مالك رضي الله عنه وهو يُحدِّث بِخبر توبة الله عليه : فو الله
ما علمت أن أحدًا من المسلمين أبْلاه الله في صِدق الحديث منذ ذَكَرْتُ
ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا أحسن مما أبلاني الله به
، والله ما تعمدت كِذبة منذ قلتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
يومي هذا ، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي . رواه البخاري ومسلم .
وقال علي رضي الله عنه :
زِين الحديث الصِّدق .وخُلِّد في ذِكْر ربعي بن حراش أنه ما كَذَب كذبة !
قال وكيع :
لم يَكذب ربعي بن حراش في الإسلام كِذبة . رواه الترمذي .وروى أبو بردة بن عبد الله بن أبي بردة قال : كان يُقال : إن ربعي بن حراش
رضي الله عنه لم يكذب كذبا قط ، فأقبل ابناه من خراسان قد تأجّلا ، فجاء
العَريف إلى الحجاج فقال : أيها الأمير إن الناس يَزعمون أن ربعي بن حراش
لم يكذب قط ، وقد قدم ابناه من خراسان وهما عاصيان ! فقال الحجاج : عَليّ
به ، فلما جاء قال : أيها الشيخ . قال : ما تشاء ؟ قال : ما فَعل ابناك ؟
قال : المستعان الله خَلّفتُهما في البيت . قال : لا جَرَم ! والله لا
أسوؤك فيهما ، هما لك .
وأصى الخلفاء مُعلّمي أبنائهم بتعليمهم الصِّدْق .
قال أسعد بن عبيد الله المخزومي :
أمَرَني عبد الملك بن مروان أنْ أُعَلِّم بَنِيه الصِّدق كما أُعَلّمُهم القرآن .
وقال مطر الوراق :
خَصلتان إذا كانتا في عبدٍ كان سائر عمله تَبَعًا لهما : حُسْن الصلاة ، وصِدْق الحديث .
وقال الفضيل :
لم يَتَزَيّن الناس بشيء أفضل مِن الصدق وطَلَب الحلال .
وقال عبد العزيز بن أبي روّاد :
إبْرَار الدنيا : الكَذِب وقِلّة الحياء ؛ فَمَنْ طَلَب الدّنيا بِغيرهما فقد أخطأ الطريق والْمَطْلَب .
وإبْرَار الآخرة : الحياء ، والصِّدق ؛ فمن طلب الآخرة بغيرهما فقد أخطأ الطريق والْمَطْلَب . اهـ .
وقال يوسف بن أسباط :
يُرْزَق العبد بالصِّدْق ثلاث خِصال : الْحَلاوة والْمَلاحَة والْمَهَابة
قيل لِلُقْمان الحكيم :
ما بَلَغَ بك ما نَرى ؟ قال : صِدْق الحديث ، وأداء الأمانة ، وتَرْك ما لا يَعْنِيني .
وإن أعظَم الكذب ما بَلَغ الآفاق ..
وفي رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم : الرجل الذي أتيت عليه يُشْرَشْر
شِدْقه إلى قَفَاه ، ومنخره إلى قفاه ، وعينه إلى قفاه ؛ فإنه الرجل يَغدو
من بيته فيكذب الكِذبة تَبلغ الآفاق . رواه البخاري .
أوْ ما أدّى إلى الطعن في الأعراض ..
وكل كَذِب تَعدّى ضَرَرُه ..
قال ابن حبان :
كل شيء يُسْتَعَار لِيُتَجَمّل به سَهْل وُجُوده ، خَلا اللسان ، فإنه لا
يُنْبِئ إلاّ عَمّا عُوِّد ، والصِّدق يُنْجِى ، والكَذب يُرْدِي ، ومَن
غَلب لِسانه أمّرَه قومُه ، ومن أكثر الكذب لم يترك لنفسه شيئا يُصَدّق به
، ولا يكذب إلا مَن هَانت عليه نَفسه .
قال : وأنشدني الكريزي :
كَذَبْتَ ومَن يَكْذِب فإن جزاءه = إذا ما أتى بالصدق أن لا يُصَدّقا
إذا عُرف الكذاب بالكذب لم يزل = لدى الناس كذابا وإن كان صادقا
وقال ابن حبان :
أنشدني الأبرش:
الكِذْبُ مُرديك ، وإن لم تخف = والصِّدْقُ منجيك على كل حال
فانطق بما شئت تجد غِبَّه = لم تُبْتَخَسْ وَزنة مثقال
وقال ابن حبان :
لو لم يكن للكذب من الشَّين إلاَّ إنزاله صاحبه بحيث أن صَدَق لم يُصدّق ،
لكان الواجب على الْخَلْق كافَّة لزوم التثبت بالصدق الدائم ، وإن من آفة
الكذب أن يكون صاحبه نسيا ، فإذا كان كذلك كان كالمنادي على نفسه
بالْخِزْي في كل لحظة وطرفة .
قال : وأنشدني محمد بن عبد الله البغدادي :
إذا ما المرء أخطأه ثلاث = فَبِعْه ولو بِكَفّ مِن رَماد
سلامة صدره والصدق منه = وكتمان السرائر في الفؤاد
وأصدق من هذا وأبلغ قول من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم :
عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ ،
وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ
يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ
صِدِّيقًا ، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى
الْفُجُورِ ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ ، وَمَا يَزَالُ
الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ
اللَّهِ كَذَّابًا . رواه البخاري ومسلم .
فاخْتَر لِنفسك مَنْزِلتها ومكانتها في الدنيا والآخرة ..
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) .
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى